ثقافة بالصور: "الزيارة" لسامي اللجمي "تُلهب" مدارج مسرح مهرجان بوقرنين، والجمهور "يتخمّر"
24 ساعة قبل إنطلاق العرض، غُلّقت خلالها الشبابيك معلنة عن نفاد تذاكر عرض "الزيارة لتكون بذلك مؤشّرا صريحا ودليلا إستباقيّا عن نجاح جماهيري منقطع النظير لإنتاج تونسي خالص لا يستمدّ بريقه من نجومية الشخص الواحد بقدر إستثماره لمجموعة صوتية وركحية وتقنيّة شابّة رأس مالها تبليغ الرّسالة الفنية بما يحملانه الإبداع والإتقان من معانٍ...
على عتبة مسرح الهواء الطلق بمدينة البايات، هذا الفضاء الركحي الموغل في العراقة والذي كان شاهدا على ٱمتداد سنوات خلت على ميلاد كوكبة من ألمع الفنانين والمطربين والمسرحيين محليّون ومشارقة على السّواء، إحتضن مساء يوم الأحد الفارط سهرة الإنشاد الصوفي للمبدع سامي اللّجمي أمام جحافل من الجماهير المتراصّة والحشود الغفيرة فاقَ عددها طاقة الإستيعاب المخصّصة لها، بلغت زهاء الـ3000 متفرّجٍ أو يزيد، بحسْب تقديرات أمنية وإستنادًا إلى إحصائيّات قام بها السّاهرون على تنظيم الدورة 38 لمهرجان بوقرنين الدولي.
أضواءٌ متماهية على إختلاف ألوانها أضاءَت الفضاء الضيّق الذي رحُب بعشّاق "الزيارة" وسينوغرافيا ركحية متميّزة وقف على إخراجها بإجادة ومهارة سامي اللّجمي قبلَ أن تلتهب مشاعر الجماهير وتتحرّك سواكنهم توازيا مع دخول عشرات المنشدين مردّدين معًا مدائح وأذكار تتغزّل بالحبيب محمّد ومستذكرين صفاته وسجاياه النبيلة وفق طريقة تقليديّة يستحضر منها المتابع أجواء الزيارات الخالدة لمقامات الأولياء وأضرحتهم.
جمهور بوقرنين إنتشى طوال السهرة وتفاعل مع ما تقدّم من نفحاتٍ صوفية وأنغام تنسجم مع طبيعة المحتوى المَعروض الذي يُحاكي مواريثنا الدينيّة الأصيلة ويرتحل بنا إلى عالمٍ سرمدي تسمو فيه الروح وتطمئنّ به الأفئدة وينتفي فيه الماديّ والمحسوس عدا تلك الأحاسيس الوجدانيّة التي تتمنّعُ من الجسد لتأخذ نصيبها من السكينة والإسترخاء...
«الزيارة»، عملٌ إبداعي نجحَ في إشباع القلوب وتغذيتها بموسيقى رقيقة ونغماتٍ ليّنة راوحت بين البحث في أعماق مواريثنا الدينيّة ونفض الغبار عنها بتوزيع رائع، وأناشيد جديدة إستطاع التوزيع الموسيقي أن ينجبَ من تمازُجها لونًا فنيًّا مختلفًا عن سابقيه لكنّهُ يحملُ في طيّاته هويّةً تونسيّة تليدة ضارِبة في القدم.
"الزيارة"، وقصّة نجاحٍ لا تنتهي!
إدارة مهرجان بوقرنين راهنت كما دورة الموسم الماضي على نجاح عرض "الزيارة" الذي حطّم جميع الأرقام القياسيّة وربّما إعتلى سلّم الريادة من حيث الإقبال الجماهيري، وقد جابَ رفقاء سامي اللّجمي مختلف أرجاء البلاد من شمالها إلى جنوبها وصعدوا على أهمّ وأعرق الأركاح والتي يبقى أبرزها المسرح الروماني بقرطاج.
سامي اللّجمي يتأثّر ... والجمهور يردّد "برافو"
عرض "الزيارة" مثّلَ فُرصة لأبناء الضاحية الجنوبية من العاشقين لموسيقى الروحانيات وما يُداعب الوجدانيّات بأن متّعوا أنظارهم وهذّبوا أسماعهم بلوحةٍ فنيّة دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، وقد ظهرَ عليهم التفاعُل مع جميع المقطوعات وصلَ حدّ "التخميرة"، وقد فرض الحاضرون على المايسترو سامي اللّجمي أن يُعيد لهم أغنية "نغّارة" وسط تعالي الزغاريد ورقصٍ ضاعف من حماسة الأجواء.
ومع إنتهاء السهرة وقفت الجماهير شيبًا وشبابًا وقفة إحترام وتقدير لكامل الفريق العارِض هاتفين جميعهم "برافو برافو" كعربون محبّة وصكّ نجاح، مشهديّة لا يتحسّسها إلّا من عايشها عن قرب، تأثّر لها الموسيقار وصاحب مشروع الزيارة سامي اللّجمي معتبرًا ليلة السّادس من أوت 2017 إحدى أهم السهرات التاريخيّة التي أثّثها...
كيف لَا وهو في حضرة جمهور بوقرنين.

ماهر العوني